السبت، 24 ديسمبر 2011

بين حــلم ومـــــوت


على طاولة الصمت جلستُ ..أعيدُ ترتيب نفسي.. وامسحُ من ذاكرتي كل الوجع تعبتُ من سداد فواتير الألم..تعبتُ من تلك الحكايات المزعجة بفصولها القاتمة
كل أحداثها تدل على كآبة مزمنة.. أشرعة رحيل متكسرة..كلمات خرساء بائسة..فناء يشبه الغيوم الغاضبة..كل أفكاري أصبحتْ تجهضُ سفرا شاحبا..لا تستلذ السهر أو تهوي القمر الناسج للأحلام..يلازمني الدمع كلما أوغلتُ في حياتي وهتكتُ أسرار المشاعر..أجلتُ بكائي هذا المساء .. أجلتُ مواعيدي مع الأرق القاتل .. حتى امنحُ وجودي فرصة لعلها تسترقُ نشوة الهناء..تثيرني الريح وتشتتُ في داخلي كل الفضاءات.. تمزقت قواي على الاحتمال.. فأتمنى العودة حيث كنت..أشعر أن أفكاري قد شاختْ..قد تلوثتْ بحماقات الوقت.. أو ربما أصابتها لوثة من جنون عابر.. بتُ أشتهي سماوات اللاعودة .. ولون البياض الذي سيلفني حين أزفُ لملاذي الأخير.. هناك بعيدا على أطراف الحلم تولد الكثير من التفاصيل .. الكثير من الأوجاع التي تناستْ طريق الشفاء .. لم تعد طهارة الأحلام حكرا على أولئك الذين صامتْ قلوبهم وسجدتْ آلامهم .. لم يكن طريق اللقاء الذي فرشته النجوم ذات مساء إلا طريقا شائكا بل له وخز كالإبر يطعن الروح إذا استلذتْ بمتعة الانتماء للقمر .. لم تنضج مخيلتي بعد كي أرسم ملامح سطوري التي باتتْ تعانق صمتْ الحرف ... ودمع السطور.. لم تنضج بعد كي تروي ذكريات البحر الحزين حين رفعتُ نظري على امتداده انتظر مراسيل القدر.. وأحاكي زرقته التي توحي بصمت المكان..فلم يزل يكتشف في داخلي تلك الأنا العالقة في أعماقه الخاشعة كخشوع الليل..وتمايلها بين شقائق النعمان الناعسة..هناك لحظة تشبهني كأنها أنا بنفس الهدوء الذي يعتلي سماء روحي.. بنفس الصمت اليتيم الذي صلى على عتبات قلبي .. كتلك الأنا تماما إذا توضأت من دنس الخطايا وقت السحر.. كم يفصلني الواقع عن روحي الحالمة ويتركني أعيش حياة الاغتراب.. بتُ لا أشك أني من عالم يغزل الأوهام من خيوط الفناء حيث لا بقاء ولا استمرار..مجرد شرود بائس..ونزق طائش..لو كانت كل الأحلام تفسر لفسرت ذاك الحلم الأسطوري الذي تربى في حضن وسادتي حين كنت أرقبُ نوارس البحر..وانتشى لحظة تقبيلها للموج..لكنني أعلم أن الأحلام كالسراب تظهر وتختفي.. وأعلم أنها مجرد أضغاث تشابكت في مخيلتي فلا تلامس من عالمي إلا شعوري الطفل الذي مازال يرضع من ثدي الحياة كي ينمو..لم تكن لحظات الغروب إلا لوحة تجسد في داخلي مفاهيم الموت ..هي لحظة الانتهاء الأبدية..حين بدء ينمو في أعماقي معنى الرحيل..حين أكون في زمن الماضي غريبة وتتشكل النهاية بكل أبعادها..بكل ازدواجيتها المجنونة ..وعشقها للفناء..هكذا هي الأنا كلما جلستْ على طاولة صمتها تغازل الموت من بعيد وترسم أبجديات وجودها .

هناك تعليقان (2):

  1. الموت
    ذلك الأجل المحتوم
    والحق المرتقب
    والزائر الثقيل
    الموت
    يشبه غروب شمس أو أفول قمر أو انفجار نجم
    فكلها رغم تباينها تحمل عنوانا واحدا وهو "النهاية"
    كم أقض مضاجعا وكم أسال أدمعا وكم هد جسدا وكم فرق أحبة رغم أنه ليس نهاية الرحلة وإنما هو الممهد الأساسي لهافمنه تبدأ الرواية الحقيقية ، رواية الخلود.

    استمتعت بما كتب كثيرا

    ردحذف
  2. تحليلك للموت جميل

    ونظل نرتقب تلك النهاية

    بوركتم

    ردحذف