كالعادة تهرب مني الكلمات حين أريدها .
فتتلاشى المشاعر التي سكنت خيالاتي ، وتضيع قبل أن أطبعها كـ قبلة على أوراقي .
تعودتُ هذا منها منذ عرفتها ، منذ كان حزني في ربيعه الأول فينهشني كـ وحش كاسر .
لا أشعر إلا بتلك الشلالات القاسية التي تسقط على روحي مندفعة ، فتجعلني فتات محطم .
وبعد محاولات عديدة كي أنهض من غيبوبتي ، تستلمني الدموع ودون رحمة تعصرني ،
وكأن كل جسدي أصبح كتلة واحدة . تلفني الأوجاع من كل اتجاه .
وأصل إلى مرحلة الهذيان ، فلا أميز عباءة الليل السوداء من أقنعة النهار التنكرية .
و الضياع يغرز مخالبه في أحشائي بقوة .كأني في معركة شرسة بين الخير والشر .
وكأن الشر أنتصر وأصبح يمثل بجثتي . أصرخ لعل من هو قريب مني يسمعني .
ويسعف صوتي المذبوح . يمنحني أوكسجينا نقيا.
ولكن رئتاي لا تتنفس ، وربما أضربت عن العمل .
فهي عنيفة بعض الشيء ، ولا ترحم ألمي الجاثم على جسدي النحيل .
معذورة هي ، لعل الجسد يحن لـقبره المحفور له منذ سنين .
سحقا للحياة ! حين تمضي وتتركني تحت رحمة الانتظار.
لقد شاختْ نبضات قلبي وبدأتْ تنبض برفق وأنا كالبلهاء في غيبوبة طويلة .
وأوردتي أصبحت منحنية ذابلة كـ أسلاك الكهرباء في فصل الصيف ،
وكأنها مزروعة في صحراء ، وليس في جسد إنسان أغلبه ماء .
ربما تماديتُ في الوصف وحشوت قلمي أنينا.
فقد أهلكه السعال و التقيء على أوراقي التي بلغت الشيخوخة مبكرا .
تناسيتُ أن أعمار الأقلام محدودة فهي ليست طويلة الأجل .
فإذا لم تمتْ ، سوف ينمو العفن على مدادها .
وتصبح عليلة تحتاج إلى الكثير من المضادات الحيوية كي تستمر في الحياة ،
وتواصل قدرها الكتابي .
يبدو أني تلقيت صدمة قوية هذا المساء ، جعلتني أدخل في دهاليز موحشة .
أو أن الحمى قد ارتفعت قليلا لتصل إلى أربعين درجة مئوية .
يا لها من سخرية ، أني مازلتُ على قيد الحياة .
متى يبدأ العد التنازلي؟ وتنتهي حياتي كباقي البشر الذين رحلوا .
استغفر الله !!!! يبدو أن الحمى بدأت تلعب لعبتها .
وبدأت أهذي بالجنون .
الجنووووووووون ، فرصة أن أجربه وأنا على مشارف الرحيل .
رغم أني لم أشعر أني عاقلة يوما ما . ونوباته تنتابني بين فترة وأخرى .
لا أدري لما اجعل من نفسي أضحوكة وأنا على سرير الموت ؟.
ولكن تلك اللحظات لا تفارق مخيلتي أبدا .
رغم أن النسيان قد ألتهم كل ذاكرتي ،،، إلا منها .
كفى سخرية يا أنا .
علي أن أودع الحياة بشيء يليق بي كإنسانة دخلت أبواب التاريخ من خلال أنثى ضعيفة .
تحاول أن ترمم بقايا روحها ، كي تشعر بالقوة ولو مرة واحدة في حياتها .
ربما علي أن لا أكتب عن نقاط ضعفي حتى لا تُذكر في تاريخي الرقيق ،
المعطر بـ شموع الحب البنفسجي .
( شموع الحب ) ،،، نعم هي خلطة عطرية اشتريتها حين كنتُ جميلة .
يبدو أن الهذيان تضاعف وتناسل بين كلماتي .
هو القدر يا أنا ، حين يكون الفيصل بين قمة الفرح وبين قمة الحزن .
أشعر أن ذراعي ترفع من قبل شخص ما ولكني لا ألمحه ،وإن كنت أشعر به .
فالحمى قاسية وتحجب عني النظر .
أري بياضا في بياض أيعقل أني مت ؟ وهذا كفني يلف حولي .
ولكني لم أنطق بالشهادتين بعد ، ولم أودع من أظنه يحبني .
فشعرت بشيء يضغط على ذراعي وينتفخ .
حاولت النظر بقوة حتى رأيتُ الممرضة بصعوبة بالغة، وهي تقيس ضغطي المسكين.
لا بأس مازلتُ على قيد الحياة .ومازلتُ قادرة على البكاء حتى الصباح .
سوف أحاول أن أجمع رؤوس حروفي بالحلال ، وأقيم عرائسها على السطور.
وإن فضلتْ بعضها أن تبقى عزباء لفترات طويلة،فهذا شأنها فلا إكراه لرغبتها .
مرت على غيبوبتي ساعتين .وأنا في عالم آخر.
فخافتْ أوراقي الحمقاء أن تقيم لي بيت عزاء ، يكلفها أحزانا ودموعا .
فلزمتْ الصمت ، حتى تأكدتْ أن ساعة الخطر قد مرتْ.